قصص رواها الرسول



أقف اليوم مع أول قصة من هذه القصص.. حدَّث أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t عن رسول الله e قال :«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : لَا . فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً . ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا ؛ فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ ، وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ ؛ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ . فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا ، مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ . وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ . فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ . فَقَاسُوهُ ، فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ» . قَالَ قَتَادَةُ : فَقَالَ الْحَسَنُ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ .

هذه قصة جليلة القدر امتلأت بالفوائد والعبر ..

لقد قتل هذا الرجل تسعة وتسعين نفساً ثم حدثته نفسه بالتوبة، وهذا يدل على أنّ الإنسان مهما كان بعيداً عن الصراط المستقيم فإنّ الله إذا أراد أن يرده رده.. فلا يليق بك أيها المسلم أنْ تظن أنّ فلاناً بعيد عن رحمة الله .. واحذر أن تُنصب نفسك حكماً على عباد الله .

00000000000000000000000000000000000000000000

0000000000000000000000000000000000000000000000000

قصص رواها رسول الله e ) ..

الموعد اليوم مع قصة خرّجها البخاري ومسلمٌ في صحيحهما .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ e قَالَ :«غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ ، يَلْهَثُ ، وفي رواية (قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ) ، كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا ، فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا ، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ ، فسقته ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ» .

أولاً : أقف مع شرح المفردات والغريب :

قال e :« غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ» : يعني زانية .

«على رأس ركي» : بئر .

يلهث : تفسرها الرواية الأخرى : (قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنْ الْعَطَشِ).

هذه القصة اشتملت على كثير من الفوائد والدروس :

هذه المرأة كانت من البغايا، من الفاجرات، ولكن لما رأت ذاك الكلب امتلأ قلبها بالرحمة ورقت لحاله .. ألا يدل ذلك أيها المستمع الكريم على أن الإنسان مهما ابتعد عن الله فإن الواجب أن لا نيأس منه. وقد سبقت الإشارة إلى هذا المعنى في القصة السابقة، قصةِ قاتل المائة .

0000000000000000000000000000000000000000000000000000

000000000000000000000000000000000000000000000000000000(قصص رواها رسول الله e ) .. وأقول من برنامج قصصٌ هكذا بالرفع على الحكاية.

قصة اليوم أخرجها الشيخان في صحيحهما عن أبي هريرة t ، عن رَسُولِ اللَّهِ e قَالَ :«كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ : تَجَاوَزُوا عَنْهُ ؛ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا ، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ» .

هذه رواية الصحيحين . رواية النسائي رحمه الله ، قال رسول الله e :«إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ ، وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ : خُذْ مَا تَيَسَّرَ ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ ، وَتَجَاوَزْ ؛ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا ، فَلَمَّا هَلَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ : هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ قَالَ : لَا ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ : خُذْ مَا تَيَسَّرَ ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ ، وَتَجَاوَزْ ؛ لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : نحن أحقُّ بذلك، قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ».

لقد جمع هذا الرجل بين عملين فاضلين كريمين يدلان على نبله وكرمه ، ومعهما نقف، وعليهما تقوم الحلقة هذه إن شاء الله ..

أما العمل الأول : العفو والتجاوز . فما هو المراد بالتجاوز هنا ؟ يجيبك ابن حجر العلامة الحبر البحر ، قال رحمه الله :" يَدْخُل فِي لَفْظ التَّجَاوُز : الْإِنْظَار ، وَالْوَضِيعَة ، وَحُسْنُ التَّقَاضِي ".

ذكر ثلاثة أمور :

الإنظار : بأن يحل الأجل والمدين ليس له شيء فتنظره . وقد قال تعالى :} ومن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة{ .

الثاني : الوضيعة وهي على قسمين : أن تضع عنه الدين كله . أو أن تضع جزءً منه .

الثالث : حسن التقاضي . وقد قال النبي e :«رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وإذا قضى ، وَإِذَا اقْتَضَى» . إذا قضى وأعطى الدين أحسن ولم يماطل، فإذا وفّى وفى بيسر وسهولة . وإذا اقتضى : أي : إِذَا طَلَبَ دَيْنًا لَهُ عَلَى غَرِيمٍ يَطْلُبُهُ بِالرِّفْقِ وَاللُّطْفِ لَا بِالْخَرْقِ وَالْعُنْفِ .

ومما قاله النبي e في فضل السماحة في الاقتضاء :« مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ» [أخرجه مسلم] .

00000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000

أنّ النبي e جعل زيارتك لأخيك في الله من موجبات الجنة ؟ قال عليه الصلاة والسلام :« ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة ؟ النبي في الجنة ، والصديق في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والمولود في الجنة ، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله عز وجل» [أخرجه الطبراني في معاجمه الثلاثة] .

وثبت عند الترمذي وابن ماجة أنّ نبينا e قال :« مَنْ عَادَ مَرِيضًا ، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ ، نَادَاهُ مُنَادٍ : أَنْ طِبْتَ ، وَطَابَ مَمْشَاكَ ، وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا» . يقول له ملك - أمره الله بذلك – طبت : أي طاب عيشك في الدنيا والآخرة، وطاب ممشاك لأن الله يحب هذا السعي منك . وتبوأت : تهيأت لدخول الجنة .

إنّ الرجل إذا زار أخاه قال الله : " عبدي زار فيَّ ، وعلي قِراه". قال e :«فلم يرض له بثواب دون الجنة»[خرّجه أبو يعلى بإسناد جيد] .

وعلى الزائر أن يلتزم بآداب الزيارة : كالاستئذان ، وعدمِ الإثقال ، وغض البصر، وأن ينزه مجلسه عن الغيبة والنميمة ، فهي زيارة في الله لا ينبغي أن يكون فيها شيء يغضب الله .

00000000000000

، عَنْ النَّبِيِّ e :«أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى ، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا ، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ ؟ قَالَ : هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا ؟ قَالَ : لَا ، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ : فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ» .

00000000000000000000000000000000000000000000000000

00000000000000000000000000000000000000000000000000000




(قصص رواها رسول الله e) ..

أخرج الشيخان في صحيحهما ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t ، قَالَ : قال رسول الله e :« لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، قَوْلُهُ :}إِنِّي سَقِيمٌ{ ، وَقَوْلُهُ :}بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا{ . وبَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنْ الْجَبَابِرَةِ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ، فَسَأَلَهُ عَنْهَا ، فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَ : أُخْتِي . فَأَتَى سَارَةَ قَالَ : يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ ، وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي ، فَلَا تُكَذِّبِينِي . فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ ، فقالت : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ. فأُخذَ ، فَقَالَ : ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ . فَدَعَتْ اللَّهَ فَأُطْلِقَ . ثُمَّ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ الثَّانِيَةَ فدعت : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلَّا عَلَى زَوْجِي فَلَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ ؛ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ . فَقَالَ : ادْعِي اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكِ . فَدَعَتْ ، فَأُطْلِقَ . فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ : إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ . فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ ، فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ : مَهْيَاً؟ قَالَتْ : رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ فِي نَحْرِهِ ، وَأَخْدَمَ هَاجَرَ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ.

هذه قصة جليلة القدر عظيمة الشأن ..

الجبار هو : سِنَان بْن عِلْوَان ، كان على مصر ، وقيل : الأردن. ومهياً : ما الخبر ؟

أخبر النبي e في بدايتها : أنّ إبراهيم عليه السلام كذب ثلاث مرات ثنتين منهما في ذات الله . جاء في رواية :« كلها في ذات الله» [أخرجه أبو يعلى]، وللترمذي :« مَا مِنْهَا كَذِبَةٌ إِلَّا مَا حَلَّ بِهَا عَنْ دِينِ» أي : جادل بها عن دين الله، وإنما خص النبي r اثنتين لأن الثالثة وإن كانت في ذات الله إلا أنَّ لنفسه حظاً فيها . ولكنّ الثلاث في ذات الله تعالى . الأولى : قوله : إني سقيم. أي سأسقم . كما قال تعالى :} إنك ميت{ أي ستموت ؛ لأن الإنسان يمرض في الدنيا ويصح ، ويفرح ويحزن .. فهذه أمور لا شك أنها تجري علينا –نحن البشر- .

وأما قوله : } فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فاسألوهم إن كانوا ينطقون{ ، أي : إن كان ينطقون ففعله كبيرهم هذا ، ولكنهم لا ينطقون فكيف يفعله. وقيل أراد لهم ضرب المثل . كما قال الملكان لداود عليه السلام :}إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً{ ولم يكن أخاه وليس له نعاج ، وإنما جرى الكلام مجرى التنبيه لدواد عاى ما فعل ، والمراد ضرب المثل. قال ابن كثير رحمه الله في حديث :«كذب إبراهيم ثلاث مرات» :" ولكن ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله، حاشا وكلا ، وإنما أطلق الكذب على هذا تجوزاً ، وإنما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني، كما جاء في الحديث: «إن في المعاريض لمندوحةً عن الكذب» " .

هذا الجبار كان لا يتعرض إلا لذوات الأزواج ولذا لم يخبر إبراهيم عليه السلام بأنها زوجه والله أعلم.

إن من أعظم فوائد هذه القصة الخالدة أنّ الله يدافع عن المؤمنين .. أما قال الله :} إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحين{ ؟ أما قال الله :} إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا{ ؟

000000000000000000000000000000000000000000000000000

0000000000000000000000000000000000000000000000000

ثبت في صحيح مسلم ، في كتاب الزهد ، باب الصدقة ، باب الصدقة في المسكين ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ ، فَسَمِعَ صَوْتاً في سَحَابَةٍ : اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ ، فإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَت ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ ، فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ اللهِ، ما اسمُكَ ؟ قال : فُلانٌ للاسم الذي سَمِعَ في السَّحابةِ ، فقال له : يا عبدَ الله ، لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي ؟ فَقَالَ : إنِّي سَمِعْتُ صَوتْاً في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ ، يقولُ : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا ، فَقَالَ : أمَا إذ قلتَ هَذَا ، فَإنِّي أنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ ، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً ، وَأردُّ فِيهَا ثُلُثَهُ » .

ولنقف أولاً مع شرح الغريب ، ثم يمكن بعدها أن نُعرِّجَ إلى ما اشتملت عليه القصة من دروس وعبر ..

الحديقة : الْقِطْعَة مِنْ النَّخِيل ، وَيُطْلَق عَلَى الْأَرْض ذَات الشَّجَر.

والفلاة :

قوله e :« فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ» : تَنَحَّيْتُ الشيء : قصدته . وَأَمَّا الْحَرَّة بِفَتْحِ الْحَاء فَهِيَ أَرْض مُلَبَّسَة حِجَارَة سُودًا.

قوله :«فإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَت ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ» : الشّرْجة : مَسِيل الماء من الحَرَّة إلى السَّهل ، والشَّرْج جنْسٌ لها والشِّرَاج جمعُها .

والمِسحاة : المِجْرَفَة .

هذه القصة اشتملت على دروس عديدة حان وقت الكلام عنها ..

أعظمها : فضل الإنفاق في سبيل الله ..

ولذا قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم :" وَفِي الْحَدِيث فَضْل الصَّدَقَة وَالْإِحْسَان إِلَى الْمَسَاكِين وَأَبْنَاء السَّبِيل".

النفقة أيها المستمع الكريم هي التجارة التي لا تعرف الخسارة ، قال تعالى : }إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ {.

ومن أنفق فهو موعود بخلف رباني كريم ، لقول رب العالمين :} وَمَا أنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ{ .

هل تعلم أخي الكريم أنّ المفق يدعو له ملك كل يوم ، وأنّ الممسك الشحيح البخيل يدعو عليه ملك كل يوم .. فعن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t ، أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ :«مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»[البخاري ومسلم] .

000000000000000000000000000000000000000000000000000

00000000000000000000000000000000000000000000000

وهذه القصة سمعها ورواها عن سول الله e عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e :«إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ . فَيَقُولُ : أَفَلَكَ عُذْرٌ ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ . فَيَقُولُ : بَلَى ، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً ؛ فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ . فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ : احْضُرْ وَزْنَكَ . فَيَقُولُ : يَا رَبِّ ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ ؟! فَقَالَ : إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ . فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ –ويجوز بكسر الكاف-، وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ ، فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ . فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ» .

أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان ، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله، وأخرجه أحمد وابن ماجة .

وأقف أولاً مع الألفاظ الغريبة :

معنى سيخلص : يميزه عن سائر الناس ويكون في معزل عنهم .

والسجل الكتاب الكبير .

إنّ أول فائدة تشد الانتباه إليها هي فضل كلمة لا إله إلا الله . هذه الكلمة التي قال عنها نوحٌ عليه السلام لابنه عند موته :" آمرك بلا إله إلا الله ؛ فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجَحت بهم لا إله إلا الله ، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن في حلقة مبهمة فصمتهن لا إله إلا الله".

وعند الحاكم والنسائي في الكبرى يُروى أنّ موسى عليه السلام قال : يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به . قال : يا موسى قل : لا إله إلا الله ، قال : يا رب كل عبادك ، يقول هذا ، قال : قل : لا إله إلا الله ، قال : لا إله إلا أنت يا رب ، إنما أريد شيئا تخصني به ، قال : يا موسى لو أنّ السماوات السبع وعامرهن غيري ، والأرضين السبع في كفة ، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله ».

لهذه الكلمة المباركة قام سوق الجنة والنار كما قال العلماء، وسل سيف الجهاد في سبيل الله ، فمن قالها عُصم دمه وماله وحسابه على الله كما صح عن رسول الله e .

يوم القيامة كله في السؤال عنها وعن حقوقها .

ولما كانت هذه الكلمة بتلك الأهمية لم يكن مستغرباً أن أستطرد قليلاً في الحديث عنها .

إنّ خير كلمة تذكر بها ربك : لا إله إلا الله ، قال e :« خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» أخرجه الترمذي ، وله أيضاً :« أَفْضَلُ الذِّكْرِ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» .

وفي صحيح البخاري رحمه الله أنّ أَبَا ذَرٍّ t قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ e وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ ، فَقَالَ :«مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» . قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ :«وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ :« وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ » . قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ ؟ قَالَ :«وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ » .

ولا يخفى على المستمع الكريم أنّ دخول الجنة على قسمين :

الأول دخول بدون عذاب .

الثاني : دخول بعذاب .

ولذا فلا ينبغي لأحد أن يتجرأ على ما حرم الله تعالى .

00000000000000000000000000000000000000000000000000000

00000000000000000000000000000000000000000000000000

عن نبينا أبو هريرة t ، قال : قال رسول الله e :«لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ : عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ – ثم ذكر قصة جريج هذا فقال : - وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا ، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً ، فَكَانَ فِيهَا ، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي ؟ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ ، فَانْصَرَفَتْ . فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ : يَا رَبِّ ، أُمِّي وَصَلَاتِي ؟ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ ، فَانْصَرَفَتْ . فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ : أَيْ رَبِّ ، أُمِّي وَصَلَاتِي ؟ فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ ، فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ . فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ ، وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا فَقَالَتْ : إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ ؟ قَالَ " فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا ، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَحَمَلَتْ ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ : هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ . فَأَتَوْهُ ، فَاسْتَنْزَلُوهُ ، وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ ، فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ . فَقَالَ : أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ فَجَاءُوا بِهِ . فَقَالَ : دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ ، فَصَلَّى ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ وَقَالَ : يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ ؟ قَالَ : فُلَانٌ الرَّاعِي . قَالَ : فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ ، وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ ، وَقَالُوا : نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ ؟ قَالَ : لَا ، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ فَفَعَلُوا.

أخرجها البخاري في كتاب الجمعة ، باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة .

ومسلم في كتاب البر والصلة ، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها .

ما أعظمَها من قصة .

أول وقفة أقف معها أنّ من الفوائد التي تدفقت من جوانب هذه القصة أنّ العفة من سمات الإيمان .. كيف ذلك ؟ لأن الله قال :} إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا{ ، وقد دافع ها هنا عن أهل العفة ، فعُلم أنّ العفة من الإيمان .

لقد دافع الله عنهم في مواطن كثيرة .. أولئك الذين آثروا رضوان الله على شهوات أنفسهم، أولئك سادات عباد الله ، إنهم ملائكة يمشون على ظهر هذه الأرض ، سمت نفوسهم ، ورسخ الإيمان في قلوبهم، فلم تحركهم هذه النزعات الشهوانية ، جعلنا الله من أولئك الأخيار الأطهار .

من العجائب والعجائب جمَّة أن كثيراً من العفيفين اتهم في عرضه :

اتهم جريج كما في هذه القصة ..

اتهمت أمنا عائشة رضي الله عنها ، فقد أشاع المنافقون حديث الإفك ..

اتهم يوسف رمته امرأة العزيز بدائها وانسلت ، قالت لبعلها :} ما جزاء من أراد بأهلك سوء{ !!

اتهمت مريم عليها السلام .

ولكن الله تولى الدفاع عنهم ، فدافع عن جريج العبد الصالح ..

ومن العفيفين الذي دافع الله عنهم : أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ولعنته على من قلاها أو سبها .

لما اتهم الناس عائشة وهي سيدة الطاهرين والطاهرات رضي الله عنها أنزل الله قرآناً يُتلى ؛ دفاعاً عنها ، فقال في ذلك :} الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ { .

ولما رمت امرأة العزيز يوسف بقولها :} مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ .. دافع الله عنه ، فأشهد كل من له تعلق بالقصة ببراءته ..

المرأة المراودة زوج العزيز قالت:} أنا راودته عن نفسه{ ..

زوجها الملك قال :} إنه من كيدكن { ، شهد شاهد من أهلها :} وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ{ فبان أنّ الأمر كذلك . النسوة قلن :} حاشا لله ما علمنا عليه من سوء{ . شهد بها الله وكفى بالله شهيداً :} كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{ . بل شهد ببراءته إبليس عليه اللعنة لما قال :} قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{ ، والله قال عن يوسف عليه السلام :} كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ{ ..

منهم مريم عليها السلام ، رماها قومها بالفاحشة ، } قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا{ ، فأنطق الله صبيها في مهده ليدافع عنها كما أنطق الصبي في قصة جريج ، فهاتان كرامتان ، مما يدل على أنّ العفيفين من أولياء الله ، لأن الكرامة أمر خارق للعادة يجريه الله على يد أوليائه . فدافع الله عنها بقوله :} وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ{ ، وقال :} وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ{ .

فما أعظمَ دفاعَ الله عن العفيفين .

0000000000000000000000000000000000000000000000000000

0000000000000000000000000000000000000000000000000

خرجها الشيخان في الصحيحين .. ورواها من الصحابة ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي e :« بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » .

هذه رواية البخاري . رواية الإمام مسلم :« بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ ، إِذْ خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» .

وكالعادة لابد أولاً من وقفةٍ لشرح الغريب ..

قوله e من الخيلاء : أي من الكبر ، « خُسِفَ بِهِ»: الخسف : ابتلعته الأرض ، « يَتَجَلْجَلُ»: يغوص في أعماقها ، والْجَلْجَلَة : الحركة في صوت، والمراد : يَسُوخ فِي الْأَرْض مَعَ اِضْطِرَاب شَدِيد وَيَنْدَفِع مِنْ شِقّ إِلَى شِقّ.

«قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ» : «جُمَّته» : بِضَمِّ الْجِيم وَتَشْدِيد الْمِيم : هِيَ مُجْتَمَع الشَّعْر إِذَا تَدَلَّى مِنْ الرَّأْس إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَإِلَى أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ ، وَأَمَّا الَّذِي لَا يَتَجَاوَز الْأُذُنَيْنِ فَهُوَ الْوَفْرَة .

في هذه القصة النبوية المباركة فوائد :

منها : خطر التكبر ..

وقد نهى الله عنه في عدد من النصوص القرآنية ، قال تعالى : } وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً { أي : متبختراً متكبراً ، وقال :} وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ { .

وقد ثبت في صحيح الإمام مسلم قول نبينا e :«لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» . فقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ؟ قَالَ :«إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ : بَطَرُ الْحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ» .

والمتكبر لا يدخل جنة الله .. فقد ثبت عن سيِّد المتواضعين أنه قال :« لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر))[مسلم].

والمتكبر مأواه جهنم وساءت مصيراً .. قال e :«أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِر» [البخاري ومسلم] ، وقال في الحديث الذي يرويه عن ربه سبحانه :«الكبرياء ردائي والعزة إزاري فمن نازعني فيهما شيئاً أُلقيه في النار» أخرجه الإمام أحمد . فالتكبر من صفات الله وهو له لا يقتضي نقصاً بوجه من الوجوه ، وعليه : فإن صفات الخالق قد تكون كمالاً في المخلوق كالعلم والقدرة ، وقد تكون نقصاً ، فليس كل كمال في الله كمالاً في المخلوق .

واستمع أخي الكريم إلى هذا الحديث ..

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e :«احْتَجَّتْ النَّارُ وَالْجَنَّةُ ، فَقَالَتْ هَذِهِ : يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ . وَقَالَتْ هَذِهِ : يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ وَالْمَسَاكِينُ . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ : أَنْتِ عَذَابِي ، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَقَالَ لِهَذِهِ : أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا» [أخرجه مسلم] .

هل تعلمون أيها المستمعون كيف يُحشر المتكبرون ؟

يخبرك رسول الله e بقوله :« يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ ، يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ» [أخرجه الترمذي] .

وقد ثبت في الحديث أَنَّ أَبَا دُجَانَةَ يَوْمَ أُحُدٍ أَعْلَمَ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ e ، وَهُوَ مُخْتَالٌ فِي مِشْيَتِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّهَا مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ إِلا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ» .

000000000000000000000000000000000000000000000000000

0000000000000000000000000000000000000000000000000000

: حفظ عشر آيات من أول الكهف . لقول النبي r :((مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ)) وفي راوية ((من آخر)) وهما في صحيح مسلم، وله أيضاً قول النبي e :((من أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف)) ، وحري بالمسلم أن يحفظ هذه السورة كلها ويرددها كل جمعة ؛ لقول النبي r :((إن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)) [الحاكم] .

الخامس : الفرار منه ؛ لقول النبي r :(( مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ)) [أحمد وأبو داود] .

0000000000000000000000000

بسم الله الرحمن الرحيم (10)

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير .

هذه هي القصة العاشرة من القصص التي حدث بها سيدنا ونبينا محمد e ، وتختلف عن سابقاتها بكون النبي e رواها عن صحابيٍّ وهو تميم الداري .. فقد ثبت في صحيح مسلم عن فاطمةَ بنت ِقيس قالت : سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي ، مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ r يُنَادِي : الصَّلَاةَ جَامِعَةً . فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ،فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ r صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ :((لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ))، ثُمَّ قَالَ:((أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ))؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ :((إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ ، فَلَعِبَ بِهِمْ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . قَالُوا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ : أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ . قَالَ : لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً . قَالَ : فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا ، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ . قُلْنَا : وَيْلَكَ مَا أَنْتَ ؟ قَالَ قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : نَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ ، فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا ، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقُلْنَا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ . قُلْنَا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟ قَالَتْ : اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ . فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا وَفَزِعْنَا مِنْهَا وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً . فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ ؟ قُلْنَا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ ؟ قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ . قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ . قُلْنَا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : هَلْ فِيهَا مَاءٌ ؟ قَالُوا : هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ . قَالَ : أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ . قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ . قَالُوا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟ قَالَ : هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ ؟ قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا . قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ ؟ قَالُوا : قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ . قَالَ : أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنْ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ . قَالَ لَهُمْ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ : أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا - قَالَ رَسُولُ rَ وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ - : هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ- يَعْنِي الْمَدِينَةَ - أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ))؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ . قال :((فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنْ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ )) .

لفظ المسيح من الأضداد ، يُطلق على الصِّدِّيق والضِّليل ، وسُمِّي المسيح مسيحاً لأنه ممسوحُ العين كما ثبت في حديث نبي الله e .

وصفة المسيح الدجال بينها النبي r في أحاديث كثيرةٍ في الصحيحين وفي غيرهما ، فبين النبي r أنَّ شعره قَطَطٌ يعني شديد الجعودة)، غزير ، وأنه شاب أحمر جسيم ، قصير ، أجلى الجبهة قد انحسر شعره عن مقدَّمة رأسه ، عريض النَّحر))، فيه دَفَأ يعني انحناء ، أعور العين اليمنى كأنها عنبة بارزة ، وأعور اليسرىكما عند مسلمٍ ، ولكنَّ العور في اليمنى أظهر ، مكتوب بين عينيه كافر ، يقرؤها الكاتب وغير الكاتب . كل ذلك في سنة رسولنا e ، وبين النبي r ذلك لئلا يغتر الناس به ، وليعلموا إذا خرج عليهم أنه الدجال الذي حذر منه .

من أين يخرج الدجال ؟

قال e :«الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ)) [أخرجه أحمد] ، وفي المسند أيضاً قول نبينا e :«يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ التِّيجَانُ».

فمن أتباعه ؟

أتباعه اليهود . قال r :(( يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمْ الطَّيَالِسَةُ» [أخرجه مسلم] ، وكثير من أتباعه من النساء ، يقول نبينا r في ذلك :(( يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ َإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا ؛ مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ )) [خرجه الإمام أحمد] .

فكيف يفتن الناس ؟

صح في الحديث قول النبي e :« مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ» ، ومن فتنته أن يأمر الأرض فتخرج كنوزها ، ويمر على القوم يؤمنون به فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، ويمر على من يردون قوله ويكذبون حديثه فيصيبهم القحط ؛ ابتلاء واختباراً من الله تعالى ، ومن فتنته ما جاء في خبر الصادق المصدق المصدوق r عند مسلم :(( ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ» .

كم يلبث المسيح الدجال في الأرض ؟

سؤال سأله الصحابة للنبي r فكانت الإجابة ((أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، يَوْمٌ كَسَنَةٍ ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ)) فقالوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ :((لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ))[خرجه مسلم] .

فكيف يتقي المسلم هذه الفتنة ؟

تُتقى بأمور :

الأول : بتصحيح المعتقد في الله . فمن علم أسماء الله وصفاته علم أن لله عينين وأنه ليس بأعور والدجال أعور ، وعلم أن الله تعالى لا يأكل ولا يشرب والدجال يأكل ويشرب ، والله لا يُرى في الدنيا والدجال يُرى .

الثاني : بالاستقامة على دين الله وسلوك سبيل الصالحين ، فإن النبي r قال:(( إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)) [مسلم] أي : والله يتولى المسلم ، والمسلم الذي يحظى بحفظ الله هو الصالح ، قال تعالى :} وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ{ . وقد ثبت في سنن ابن ماجه أنَّ شاباً صالحاً لا يقدر الدجال على زعزعة إيمانه بشبهاته ، قال r :((وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يُسَلَّطَ عَلَى نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَيَقْتُلَهَا وَيَنْشُرَهَا بِالْمِنْشَارِ حَتَّى يُلْقَى شِقَّتَيْنِ ثُمَّ يَقُولَ : انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا، فَإِنِّي أَبْعَثُهُ الْآنَ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رَبًّا غَيْرِي . فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ وَيَقُولُ لَهُ الْخَبِيثُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللَّهُ ، وَأَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ ، أَنْتَ الدَّجَّالُ ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ بَعْدُ أَشَدَّ بَصِيرَةً بِكَ مِنِّي الْيَوْمَ)) إن الإيمان إذا تمكن من القلب لهو أرسخ فيها من رسوخ الجبال في الأرض .

الثالث : أن يُتعوَّذ بالله بعد التشهد في الصلاة من فتنته ، قال r :(( إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ ، يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)) [البخاري ومسلم] .

الرابع : حفظ عشر آيات من أول الكهف . لقول النبي r :((مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ)) وفي راوية ((من آخر)) وهما في صحيح مسلم، وله أيضاً قول النبي e :((من أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف)) ، وحري بالمسلم أن يحفظ هذه السورة كلها ويرددها كل جمعة ؛ لقول النبي r :((إن من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)) [الحاكم] .

الخامس : الفرار منه ؛ لقول النبي r :(( مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ)) [أحمد وأبو داود] .

فكيف يهلك الدجال ؟ وكيف موته ؟

هلاك الدجال على يد عيسى ابن مريم عليه السلام عند باب لد ، فإذا قُتل خنس أتباعه من اليهود ، فاختبئوا وراء الحجر والشجر فيُنطق الله الحجر والشجر . قال r :(( فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ الدَّجَّالُ- أي إلى عيسى - ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا ، وَيَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةً لَنْ تَسْبِقَنِي بِهَا فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ اللُّدِّ الشَّرْقِيِّ ، فَيَقْتُلُهُ ، فَيَهْزِمُ اللَّهُ الْيَهُودَ فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِيٌّ إِلَّا أَنْطَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَا حَجَرَ وَلَا شَجَرَ وَلَا حَائِطَ وَلَا دَابَّةَ ، إِلَّا الْغَرْقَدَةَ فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ لَا تَنْطِقُ ، إِلَّا قَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ الْمُسْلِمَ هَذَا يَهُودِيٌّ فَتَعَالَ اقْتُلْهُ)) [مسلم] .

نسأل الله أن يقر أعيننا بجهاد اليهود .







0000000000000000000000000000000000000000000000

000000000000000000000000000000000000000000000000000000 بالصحابي الجليل أبي هريرة t ليحدثنا عن قصة غابرةٍ رواها عن سيد الأنام رسولِنا عليه الصلاة والسلام يقول فيها :« كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ ، فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ : أَقْصِرْ . فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ : أَقْصِرْ . فَقَالَ : خَلِّنِي وَرَبِّي ، أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ ، أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ . فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا ، فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَقَالَ لِهَذَا : الْمُجْتَهِدِ أَكُنْتَ بِي عَالِمًا ؟ أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا ؟ وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي . وَقَالَ لِلْآخَرِ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ » .

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ .

حديث صحيح أخرجه أحمد في مسنده وأبو دود في سننه .

قول رسولنا e :« مُتَوَاخِيَيْنِ» : أَيْ مُتَقَابِلَيْنِ فِي الْقَصْد وَالسَّعْي ، فَهَذَا كَانَ قَاصِدًا وَسَاعِيًا فِي الْخَيْر ، وَهَذَا كَانَ قَاصِدًا وَسَاعِيًا فِي الشَّرّ .

000000000000000000000000000000000000000000

00 عند مسلم:(( لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي ، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ )). فالنبي r لا ينهى عن عبادة الصيام والقيام ، وإنما ينهى عن تخصيص العبادة بيوم لم يشهد له الشرع باعتبار ، ونحن لا ننهى عن الصيام والقيام، وإنما ننهى عن تخصيص ليلة السابع والعشرين من شهر رجب بذلك .00000000000000000000000000000000000000000000000000000000 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :((لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ )).

000000000000000000000000000000000000000000000000000




0. قال جابر بنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما : " لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ e فَقَالَ لِي :((يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا))؟ قُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا. قَالَ :((أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ))؟ قَالَ :قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ :((مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا فَقَالَ : يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ : يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً . قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ . قال : يا رب فأبلغ من ورائي . فنزلت هَذِهِ الْآيَةُ :} وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا الْآيَةَ{ .

00000000000000

هذا هو اللقاء الرابع عشر ، ونقف فيه مع أحداث قصة تضمنتها رؤية نبوية كريمة ، ففي مستدرك الحاكم عن أبي أمامة الباهلي t قال : سمعت رسول الله e يقول : بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بِضَبْعَيْ، فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا لي : اصعد . فقلت : « إني لا أطيقه » ، فقالا : إنا سنسهله لك . فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة فقلت : « ما هذه الأصوات » ؟ قالوا : هذا عُوَاء أهل النار . ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دماً ، قال : قلت : « من هؤلاء ؟ » قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّةِ صومهم .

عُواء: صُراخ وصياح .

سواء الجبل : وسط الجبل . قال تعالى :} فاطلع فرآه في سواء الجحيم{ : أي في وسطها .

الشَّدْق : جانب الفم مما تحت الخد .

فبل تحلة صومهم : قبل أن يحل الفطر لهم بغروب الشمس .

000000000000000 بسم الله الرحمن الرحيم (15)

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

المستمعون الأكارم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

هذا هو اللقاء الخامس عشر ، نلتقي اليوم مع قصة منامية ثبتت في صحيح الإمام البخاري ، رواها سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ قَالَ : كَانَ النَّبِىُّ e إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ : « مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا » ؟ قَالَ فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا ، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا ، فَقَالَ : « هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا » ؟ قُلْنَا لاَ . قَالَ « لَكِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِى فَأَخَذَا بِيَدِى ، فَأَخْرَجَانِى إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِى شِدْقِهِ ، حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ . قُلْتُ :«مَا هَذَا» ؟ قَالاَ : انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا .

حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِصَخْرَةٍ ، فَيَشْدَخُ بِهِا رَأْسَهُ ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ ، وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ . قُلْتُ :«مَنْ هَذَا» ؟ قَالاَ : انْطَلِقْ ..

فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ ، يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا ، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا ، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا ، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ . فَقُلْتُ:« مَنْ هَذَا» ؟ قَالاَ :انْطَلِقْ .

فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِى فِى النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِى فِيهِ ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِى فِيهِ بِحَجَرٍ ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ . فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالاَ انْطَلِقْ .

فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ ، فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَفِى أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا ، فَصَعِدَا بِى فِى الشَّجَرَةِ ، وَأَدْخَلاَنِى دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا ، فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ ، وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ ، ثُمَّ أَخْرَجَانِى مِنْهَا فَصَعِدَا بِى الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلاَنِى دَارًا هِىَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ . قُلْتُ :«طَوَّفْتُمَانِى اللَّيْلَةَ ، فَأَخْبِرَانِى عَمَّا رَأَيْتُ» . قَالاَ: نَعَمْ ، أَمَّا الَّذِى رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكِذْبَةِ ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

وَالَّذِى رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَالَّذِى رَأَيْتَهُ فِى الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ . وَالَّذِى رَأَيْتَهُ فِى النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا . وَالشَّيْخُ فِى أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلاَدُ النَّاسِ ، وَالَّذِى يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ . وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِى دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ ، وَأَنَا جِبْرِيلُ ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا فَوْقِى مِثْلُ السَّحَابِ . قَالاَ ذَاكَ مَنْزِلُكَ . قُلْتُ دَعَانِى أَدْخُلْ مَنْزِلِى . قَالاَ إِنَّهُ بَقِىَ لَكَ عُمْرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ » .

هذه قصة عظيمة اشتملت على المشاهد التالية :

المشهد الأول :

رَجُلٌ جَالِسٌ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ والكلوب حديدة في آخرها انحناء كتلك التي يعلق اللحم بها ، فيُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِى خده ، ويُقَطِّعُه حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا ، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ .

وهذا المعذب هو الرجل يكذب الكِذْبَة تبلغ الآفاق . قال ابن حجر رحمه الله :" وَإِنَّمَا اِسْتَحَقَّ التَّعْذِيب لِمَا يَنْشَأ عَنْ تِلْكَ الْكِذْبَة مِنْ الْمَفَاسِد وَهُوَ فِيهَا مُخْتَار غَيْر مُكْرَه وَلَا مُلْجَأ".

المشهد الثاني :

رجل مضطجع عَلَى قَفَاهُ ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِصَخْرَةٍ ، فَيَشْدَخُ بِهِا رَأْسَهُ ، والشدخ كسر الشيء المجوف، فيكسر رأسه بحجر معه ، فإذا كسر الحجر رأسه ونأى عنه ذهب الآخر ليأتي بالحجر ، فإذا عاد إلى المعذب عاد رأسه سالماً ، فيفعل به ذلك إلى يوم القيامة .

من هو المعذب هنا ؟ صاحب القرآن يرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة .. لكن أليس النوم عذرا؟ الجواب : من بذل وسعه ليستيقظ فلم ينهض فهو معذور .. وأما المتهاون الذي ينام ويعلم أنه سيستيقظ متأخراً .. وهذا دأبه فهذا هو الذي ينام عن الصلاة المكتوبة .

المشهد الثالث :

ينطلق رسول الله e إلى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ ، والتنور كالهرم ، أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ ، فيه نار من تحته ، وفوق النار رجال ونساء عراة ، فإذا ارتفع لهيبها صعدوا إلى المكان الضيق وضوضوا : أي صاحوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا .

جمع الله لهم بين عقوبيتين :

الأولى : جعل الله عقوبتهم في مكان واحدٍ فهتك سترهم ، فإنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ففضحهم .

الثانية : لما عصُوْا الله بأسفل أجسادهم جاءتهم النار من تحتهم .

المشهد الرابع :

انطلق رسول الله e والرجلان حَتَّى أتَوْا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ ، وفيه رجل يسبح فيه . فيقبل السابح إلى الواقف ، فيلقمه حجراً يعيده إلى مكانه ، فإذا جاء إليه فعل به ذلك .

وإنما ألقم حجراً والحجر لا فائدة فيه لبدنه كما كان يزيد ماله بشيء أخبر الله أنه لا بركة فيه.

المشهد الخامس :

ينطلق رسول الله e إلى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ غَنّاء كثيرةِ العشب، فيها من كل نَورِ الربيع وزهره ، وفِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ ، وفي رواية :«إلى مدينة مَبْنِيَّة بِلَبِنِ ذَهَب وَلَبِن فِضَّة» وهي الجنة التي أعدها الله لعباده المؤمنين ، فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ..

فإن قيل : كيف نوفق بين قول الرسول e فيها ما لا عين رأت وبين كونها e قد رآها كما في هذا الحديث ؟

الجواب :

المشهد السادس :

في تلك الروضة رأى النبي e إبراهيم عليه السلام وحوله صبيان المسلمين . وهم : من مات منهم قبل أن يبلغ ، فأي عزاء للوالدين الذين فقدا ابنهما الصغير أحسن من هذا العزاء ؟ أيها الأب .. أيتها الأم .. يا من تقرح كبده بفقد ولده اعلموا : أنّ رحمة الله خير له منكما ، وثواب الله خير لكما منه .

المشهد السابع:

يرى داراً أفضل من تلك الدار ، وهي دار الشهداء ، وداراً أفضل من الدراين وهي بيت النبي e . ويرى e خازن النار ، وقد نعته بكونه (كريه الرؤية) ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَة فِي عَذَاب أَهْلِ النَّارِ .

أسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة . أكتفي بهذا القدر ، وأترككم في حفظ الله ورعايته ، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على نبينا وسيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 000000 حدث بها رسول الله e ، ورواها عنه ابنُ عباس رضي الله عنهما ، وأخرجها الترمذي في جامعه ، والنسائي وابن ماجة في السنن ، والطبراني في معجمه الكبير ، قال e :« يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا ، يَقُولُ : يَا رَبِّ ، هَذَا قَتَلَنِي ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْقَاتِلِ: تَعِسْتَ، وُيَذْهَبُ بِهِ إِلَى النَّارِ » .

تشخب : بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِفَتْحِهَا ، أَيْ تَسِيلُ .

والْأَوْدَاجُ : مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ مِنْ الْعُرُوقِ .

نستفيد من القصة ما في جريمة القتل من إثم كبير ووزر عظيم ، ومن قتل نفساً بغير حق فقد سَاء لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا.. واعلم أيها المستمع الكريم أنّ أول جريمة قتل في تاريخ البشرية ما حكاه الله تعالى بقوله :} وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [المائدة: 27-30]. وقد قال رسول الله e :«لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» [البخاري ومسلم] .

والنصوص في تحريم هذه الكبيرة كثيرة جداً .. وهذا سرد لبعضها ..

قال تعالى : } وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{ [الأنعام:151] . وقال : } وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا{ [الإسراء :33] .

قال أبو بَكْرَةَ t: قال رسول الله e :«أَيُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ . قَالَ :«أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ»؟ قُلْنَا : بَلَى . قَالَ :«فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا»؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ . فَقَالَ :«أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ »؟قُلْنَا : بَلَى . قَالَ :«فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ ، وَأَمْوَالَكُمْ ، وَأَعْرَاضَكُمْ ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا » [البخاري ومسلم] . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e :«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ : النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ» [البخاري ومسلم] . وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : رأيت رسول الله e يطوف بالكعبة ويقول :«ما أطيبك ! وما أطيب ريحك !! ما أعظمك ! وما أعظم حرمتك !! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك» .

ولقد جاء الترهيب فمن هذه الجريمة في كثير من النصوص الشرعية أجتزئ منها ما يلي :

قال ربنا تعالى :} وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا{ [النساء :93] . وقال تعالى : }وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا 68 يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا{ [الفرقان : 68-69] .

وعن أبي الدرداء t قال : سمعت رسول الله e يقول :« كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا ، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا» [أخرجه أبو داود وابن حبان] .

ولقد أخبرنا نبينا e بأنّ أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء كما في الصحيحين .

وفي صحيح البخاري يقول نبينا e :«لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا» قال ابن عمر : إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ .

0000000000000000000000000000000.. والموعد اليوم مع قصة خرّج أحداثها الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله e :« إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا ، فَأَتَى الْأَبْرَصَ ، فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : لَوْنٌ حَسَنٌ ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي () النَّاسُ . قَالَ : فَمَسَحَهُ ، فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ ، وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا . قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : الْإِبِلُ . فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ () ، فَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا .

فَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : شَعَرٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ . قَالَ : فَمَسَحَهُ ، فَذَهَبَ عَنْهُ ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا . قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : الْبَقَرُ ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا فَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا .

فَأَتَى الْأَعْمَى فَقَالَ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ . فَمَسَحَهُ ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ . قَالَ : فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : الْغَنَمُ . فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا ، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا () ، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ الْإِبِلِ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْبَقَرِ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْغَنَمِ .

ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ، فَقَالَ : رَجُلٌ مِسْكِينٌ ، قَدْ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ () فِي سَفَرِي ، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي . فَقَالَ : الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ . فَقَالَ لَهُ : كَأَنِّي أَعْرِفُكَ ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ ؟ فَقَالَ إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ . فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ .

وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا . فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ .

وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ : رَجُلٌ مِسْكِينٌ ، وَابْنُ سَبِيلٍ ، انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي ، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي . فَقَالَ : قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي ، فَخُذْ مَا شِئْتَ ، وَدَعْ مَا شِئْتَ ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ () .

فَقَالَ : أَمْسِكْ مَالَكَ ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ ، فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ» .

ما أجملها من قصة ! وما أحسنها من موعظة !!

وفي القصة فوائد :

00000000000000 عن قصةٍ رواها البخاريُّ رحمه الله في مواضعَ عديدةٍ من صحيحه .. والقصة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ رَسُولِ اللَّهِ e أَنَّهُ قال :«إنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ () أَلْفَ دِينَارٍ . فَقَالَ : ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ . فَقَالَ : كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا . قَالَ : فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ . قَالَ : كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا . قَالَ : صَدَقْتَ . فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا ، فَأَخَذَ خَشَبَةً ، فَنَقَرَهَا () ، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا () ، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ ، فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ : كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ : كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا ، فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ .

فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا ، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ . قَالَ : هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ ؟ قَالَ : أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ . قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا».

هذه قصة لولا أنّ رسول الله e رواها لصَعُب تصديقها ..

وفي القصة فوائد :

منها : مشروعية الدين . ولا خلاف في ذلك . والمقرض له أجر كبير ، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد عن بُرَيْدَةَ بن الحصيب قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ» ، قَالَ : ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» . قُلْتُ : سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ» ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ :«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» ؟ قَالَ : «لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ» .

منها : أنّه ينبغي على الإنسان أن يُوثِّقَ دينه ويحافظ على ماله ، فذاك الرجل كان يداين الناس ويطلبُ كفيلاً ، وفي هذا حفظٌ للحقوق .

ومنها : جواز الأجل في القرض .

فإن حلّ الأجل وجب الوفاء .

قال النبي e :«مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته» ..

0000000000000 مولى ابن عمر رضي الله عنهما ، ليخبرنا بحديث ابن عمر الذي حدث به عن رسول الله e ، قال رسول الله e :« بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ ، فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ ()، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ لَا يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ . (وفي طريقٍ : عفا الأثر ، ووقع الحجر ، ولا يعلم بمكانكم إلا الله ، ادعوا الله بأوثق أعمالكم) .

فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ ()، فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ ، وَأَنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ ، فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا ، وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَسُقْهَا . فَقَالَ لِي : إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ . فَقُلْتُ لَهُ : اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ ، فَسَاقَهَا ، فلم يترك شيئاً . فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ (وفي طريق : رجاء رحمتك ومخافة عذابك) فَفَرِّجْ عَنَّا . فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ ().

فَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، فَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي ، فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِمَا لَيْلَةً ، فَجِئْتُ وَقَدْ رَقَدَا ، وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنْ الْجُوعِ ()، فَكُنْتُ لَا أَسْقِيهِمْ حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَايَ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا ، فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ . فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا . فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ .

فَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ ، وَأَنِّي أردتها عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي ، حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي ، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا ، فَفَعَلَتْ ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ : لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ ، فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا. فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا» .

هذه القصة أخرجها البخاري ومسلم في الصحيحين .

وهي جليلة القدر ..

في القصة : التوسل بالعمل الصالح ، ولا ريب أنّ هذا مشروع ، والأدلة عليه كثيرة. والتوسل : التقرب ، والمراد أن يجعل الإنسان بين يدي دعائه ما يكون سبباً لقبوله ، والتوسل المشروع يكون بأسماء الله وصفاته ، كأن تقول : يا رزاق ارزقني ، ويكون بالعمل الصالح كما في هذه القصة ، ومن هذا النوع التوسل بالإيمان فإنه عمل صالح ، ومنهم من يجعله قسماً خاصاً ، ولا مشاحة في ذلك ، ويكون بذكر الحال وإظهار الفقر كما قال موسى عليه السلام :} رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ{ ، وكقوله تعالى عن نوح عليه السلام :} فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ{ ، وعن زكرياءَ عليه السلام :} قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا{ .

ومن أنواعه التوسل بدعاء العبد الصالح ، فليس من حرج أن تطلب من شخص تومت فيه صلاحاً أ يدعوَ لك ، وإنما الحرج أن تدعوَ هذا الصالح ، فهنا الحرج والشرك والكفر والمقت .

وأما التوسل بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة فليس بمشروع ، كالتوسل بجاه النبي e أو بحق فلان ؛ لأن جاه النبي e عند الله عظيم بلا شك ، ولكن من ينتفع به ، تنتفع به أنت أم ينتفع به هو عليه الصلاة والسلام . أنت تتوسل لنفع نفسك ، فما معنى أن تتوسل بشيء لا ينتفع به إلا رسول الله وهو جاهه عند الله . هذا ليس بمشروع ولم يرد في حديث صحيح .. أرجو الانتباه ، أقول : لم يثبت في حديث صحيح .

وفي القصة أنّ الأمانة من أعظم الأعمال ، ولقد سبق الحديث عن فضلها في قصة ماضية .

وفيه بركة الدعاء ، وأنه إذا ألمت بالمرء ضائقة فعليه أن يرفع أمره إلى الله ، وأن يلجأ إليه .

إن من العجائب أنّ المشركين قال الله عنهم :} فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ{ ، وكثير من الناس عند الضيق يلجئون لفلان وفلان .. فما أشدّ كفرَهم بالله .

ولقد قال هؤلاء الثلاثة : اللهم إن كنت تعلم ! قال ابن حجر رحمه الله :" فِيهِ إِشْكَال ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِن يَعْلَم قَطْعًا أَنَّ اللَّه يَعْلَم ذَلِكَ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي عَمَله ذَلِكَ هَلْ لَهُ اِعْتِبَار عِنْد اللَّه أَمْ لَا ، وَكَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ كَانَ عَمَلِي ذَلِكَ مَقْبُولًا فَأَجِبْ دُعَائِي". وبهذا يزول الإشكال .

لقد دلت القصة على فضل برِّ الوالدين .. 0000000000000000000000 وقصة أخبر بها النبي e ، قال عليه الصلاة :«إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ –وهذه هي القصة : تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ- قال: وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ» .

أخرجه البخاري رحمه الله . وهو عند غيره ، ولكنَّ الحديثَ إذا كان في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بالعزو إليهما .

0 قصةٌ رواها من الصحابة جُنْدَبُ بنُ عبد الله t ، قال : قال رسول الله e :«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ سِكِّينًا ، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» .

هذه القصة أخرجها الشيخان في الصحيحين .

وما مضى لفظ الإمام البخاري . لفظ مسلم :« إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قَرْحَةٌ ، فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا ، فَلَمْ يَرْقَأْ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ ، قَالَ رَبُّكُمْ : قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ 0000.. ففي مسلم قال النبي e :«مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي النَّارِ» ، وفي رواية :« َمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وفي أخرى :« مَنْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ ذُبِحَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وفي صحيح البخاري :« الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ».

وثبت في الصحيحين قولُ نبيِّنا e :« مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» .

0000

0

0000000000000000000000000000000000000000000000000

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لغه عربيه ..قاموس عربى عربى ..معانى....مرادفات واضداد

حلوه مكتوب..عالم المرأه..حب..مطبخ...ديكور

استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء